تعالى صوت المعاول المزعجة التى تسمعها دوماً وسط حملات التنقيب عن الآثار فى الأقصر ... جفف جبينه فى ملل قائلا: -"لا أظن أننى سأكتشف مقبرة توت عنخ آمون للمرة الثانية! ... لا أعلم ما الداعى لوقفتى المملة فى الشمس و النخر فى الأرض بلا طائل"
حسناً ... أنتم تعلمون أنه عبقرى و أن الآخرين حمقى بالتأكيد ... يكاد
يقسم أنه لا يوجد شئ يذكر فى هذه المنطقة ... بل لا يوجد شئ على الإطلاق و
مع ذلك يتعبون أنفسهم فى البحث و التنقيب بلا فائدة!
رد عليه الأستاذ (عمار) بسخريته المستفزة المعهودة:
-"على رسلك يا (رأفت) .. فربما اقتلعت ولو شيئاً واحداً ثميناً من هنا ...
لقد استوطنت عائلة إغريقية صغيرة فى هذه المنطقة و ربما خلفوا شيئاً
ثميناً"
ضغط سيجاره بأسنانه مقاوماً رغبته الملحة فى اقتلاع عينيه: -"ها أنت ذا قلت ... عائلة صغيرة من الإغريق ... بالتأكيد تواروا هنا و لم يسمع بهم أحداً"
-"و لكن لا تنكر أنه لشئ نادر أن يسكن الإغريق فى الأقصر فى هذا العهد ... و ها نحن ذا نعلم بأمرهم"
قالها و قهقه ضاحكاً فى استفزاز فكاد زمام (رأفت) أن يفلت منه و يسلم بقبضته على صف أسنانه النخرة
-"سيد (رأفت) ... سيد (عمار) ... لقد وجدنا شيئاً ... تعالوا!"
قالها أحد شباب الحملة فى جذل ... إنه (كمال عزيز) ... الشاب المتحمس
دائماً ... أنتم تعلمون هؤلاء الشباب ... ما أن يجد حجراً صغيراً حتى يملأ
الدنيا صراخاً ... ثم يتبين أنه مجرد حجر من منزل أحد الأهالى الذين قطنوا
المنطقة منذ 30 عاماً فقط!
حماسه هذا سيخف بالتدريج عندما يصبح فى مثل عمرهم .. و لن يدهشه شئ بعدها
غرق (عمار) فى ضحكه المستفز حتى انقلب على قفاه!
رد (رأفت) على ذلك الشاب فى عصبية: -"حسناً سنأتى حالاً ... أرجو أن يكون شيئاً ذات قيمة ... سيكون هذا من مصلحتك يا فتى ... و إلا ... "
قال (عمار) وسط ضحكه:
-"هاهااااااااا ... أترجو ذلك حقاً يا لئيم ... أم أنك لا تريد شيئاً حتى
تستجم فى الإسكندرية خلف فتيات الشاطئ أيها المراهق المتصابى!"
رد عليه (رأفت) فى غل: -"أنا مراهق؟ ... حسناً ... أنا لم أذهب إلى الإسكندرية فى حياتى و لن أذهب و لا أعلم ماذا أدخل فى رأسك الكروى هذه الفكرة الحمقاء"
ثم ألقى قبعته على الأرض فى عصبية و ذهب خلف الشاب.
________________________________________
زجاجة عتيقة جداً ... متربة جداً ... ثقيلة جداً جداً جداً
مربوط فيها بإحكام مخطوطة بالية
تأملها (رأفت) فى إمعان قائلاً: -"إنها لا تبدو لى ذات أدنى قيمة ... بل لا تبدو أثرية على الإطلاق ... أعنى لا تبدو من آلاف السنين"
قال (عامر) فى هدوء: -"لم لا تصحبها إلى الإستراحة و تحاول قراءتها فى هدوء ... الشمس قد شارفت على المغيب على أى حال"
غمغم (رأفت) فى شرود: -"حسناً ... سأرى"
دخل (رأفت) استراحته و وضع الزجاجة و المخطوطة على المنضدة و دخل للإغتسال
خرج و ألقى نظرة سريعة على الزجاجة
هناك خطأ ما .. خطأ ما فى هذه الزجاجة .. تبدو أثرية أكثر!
التقط عويناته و فحصها مرة أخرى عن كثب: -"ربااااااه ... إنها قديمة بالفعل ... كيف لم ألاحظ هذا من قبل؟"
حاول فتح الزجاجة مراراً حتى انفتحت و فلتت من يده و وقع ما بها على الأرض
... سائل شديد السواد ... يبدو مخيفاً إلى حد كبير ... يبدو مقبضاً!
شعر (رأفت) بالدوار و الإرهاق ... غمغم فى إعياء: -"ليكن ... سأغفو قليلاً ثم أجمع ما سقط على مهل ... سأرى فيما بعد ما سر هذا الشئ ... فيما بعد ... فيما بعد!"
تعلمون تلك الحاسة الخفية ... شئ يجعلك تلتفت فجأة خلفك لتجد أحدهم يمسك
بمدية يبغى بها عنقك فتنجو فى آخر لحظة ... أو الحاسة التى تجعلك تقلق فى
الليل بغتة لأنك تشعر بأحدهم يجول فى بيتك
تلك الحاسة التى جعلت
(رأفت) يصحو من النوم مذعوراً ليجدها بجواره ... إنها تلك الفاتنة التى
نسمع عنها فى الأساطير ... تنظر إليه نظرة تبتلع إرادته ... نظر لها فى
هيام و دعة ... و لكن فجأة ... امتلأت نظراته بالذعر و لم يجد وقتاً حتى
للصراخ!
________________________________
المكان: مصحة الأمراض العقلية بالقاهرة
دخل الرائد (فريد) إلى حجرة المشرف على حالة الأستاذ (عمار) ليتم معه التحقيق
مسح الطبيب عويناته و سأل: -"ماذا حدث بالضبط للأستاذ (رأفت) زميل الأستاذ (عمار)؟"
قال الرائد (فريد) فى أسى: -"وجد الأستاذ (رأفت) صباح أول أمس فى استراحته بالأقصر ... فى حالة مزرية"
-"كيف كان؟"
"لقد كان ... إحم .. فارغاً! .. عبارة عن جلد فقط ... بلا أى خدوش ... و
كأن طاقته قد امتصت منه كاملة ... عظمه و لحمه و أحشاءه متبخرة تماماً ...
لم يبق سوى الجلد ... و الآن كيف حالة الأستاذ (عامر) و ما هى أقواله بصدد
هذا الموضوع؟ ... لثد وجد فى مسرح الجريمة مع فتاة"
أسمك الدكتور (ماجد) ببعض الأوراق قائلاً:
-"جن المسكين تماماً بعد مصرع زميله ... إنه يقول أنه وجد زجاجة عتيقة
مغلقة اكتشفوها أول أمس فى منطقة التنقيب و هى تعود لأسرة إغريقية أقامت فى
هذا المكان ... و لقد ترجم الأستاذ (عامر) المخطوطة المرفقة بالزجاجة
بعدما رأى من النافذة خلسة حسناء تمتص زميله! ... أنت لا تصدق هذا الهراء
طبعاً"
-"و ماذا وجد فى المخطوطة؟"
ناول دكتور (ماجد) ورقة صغيرة للرائد فقرأها الأخير بصوت عال:
-"لا أحد ينجو من عروس الشيطان ... حبسها أكتيباس الإغريقى فى زجاجة بعدما
قضت على نصف أسرته و هم نيام ... لا تفتح الزجاجة فتنحل اللعنة من عليها
لتحل عليك لعنتها
إمضاء ... أكتيباس سيفريوس"
يقول
الأستاذ (عامر) أنه وجد هذه الزجاجة فى منطقة التنقيب و ترجمها و فهم ما
بها و حفظها عنده ... لكن فكر فى مزحة يفعلها مع صديقه ليثبت له كم هو
مراهق!
فجاء بزجاجة تشبهها و مخطوطة كتب عليها بعض الحروف
اليونانية القديمة و أعطاها لرأفت و هو يعلم أنه سيفتح الزجاجة المقلدة ...
و دخل (عامر) الإستراحة مع فتاة قبله و توارى و جلس يراقبه ... لكن المدهش
أن الزجاجة تبدلت فور دخول رأفت للإغتسال و لكنه لا يدرى كيف! .. إنه يقسم
أنه لا يعلم شيئاً عن الزجاجة القديمة و لم يحضرها معه إلى الإستراحة حتى
... و لكن أخبرنى يا سيد (ماجد) ... أين الزجاجة المزيفة و أين الأصلية؟"
-"المزيفة كانت موجودة فى استراحة (رأفت) ... و لكن لا أثر للأصلية"
-"مسكين الأستاذ (عامر) ... لقد جن تماماً ... إنه يهذى و يقول أن عروس
الشيطان ستعود للزجاجة ... يجب إحراق الزجاجة وهى داخلها ... بذلك ستقتل
العروس و لن يوجد لها أثر ... لكن لا أثر الآن لأى زجاجة!"
_______________________________
بعد 6 أشهر
المكان: قاعة مزاد فى نزل فى طريق بين القاهرة و الإسكندرية
-"هلموا ... مزاد على أشياء أشخاص أقاموا هنا منذ ستة أشهر ... تركوا أشياء و لم يسألوا عنها"
-"صندوق ثمين بلا مفتاح هنا ... لا أحد يعلم ما به ... ملك للسيد (كمال عزيز) ... توفى منذ ستة أشهر!"
بدأ المزاد على الصندوق المجهول الذى كان ملكاً لأحد أفراد الحملة المشؤومة
اشترى أحدهم الصندوق ب 10 جنيهات فقط!
حاول فتح الصندوق
وجد فيه زجاجة عتيقة جداً ... متربة جداً ... ثقييييييلة جداً جداً جداً جداً جداً ....